إذا كنتم من المقبلين على الزواج فمرحبا بكم في القارب
أما إذا كنتم من المتزوجين فأهلا وسهلا بكم متى شئتم :)
خذوا نفسا عميقا واستعدوا للغوص (إلى القارب)!
مقدمة طويلة لابد منها
الحياة مليئة بالتحديات، تختلف درجتها بتغير الزمان والمكان والظروف والأشخاص المحيطين. وكلما تنافرت الظروف المحيطة من زمان ومكان وأشخاص زادت غربة الحياة بالنسبة للإنسان. فالذي يترك مدينته مثلا يحاول التعرف على نمط حياة المدينة الجديدة ليتعايش معها، ويزداد الأمر صعوبة إذا تخطى الإنسان حاجز اللغة والعادات والدين والثقافة. فتصبح الحياة هناك أصعب بكثير وتحتاج إلى مرونة أكثر من أجل تقبل الوضع الجديد.
وفي ذات السياق يزداد التحدي مع مرور الزمن. فمن عاش في الستينات سيواجه تحديات في التعايش مع الجيل الحالي، وتخف حدة المشكلة مع الذين عاشوا فقط في الثمانينات مثلا وهكذا دواليك. تخيلوا الطفل مثلا حين ينتقل من المدرسة الإبتدائية إلى الإعدادية، وبعد عدة سنوات سينتقل إلى المرحلة الثانوية. وفي كل مرحلة عالم جديد مليء بمغامرات وطلاب متفوقين وعصابات تلاميذ مختلفة. حقا كل شيء يختلف من جيل إلى آخر.
لكن الوضع في السفر أو الانتقال من مرحلة دراسية إلى أخرى يختلف عن أحد أهم مشاريع الحياة وهو الزواج. ذلك أن السفر والمدرسة هي مراحل انتقالية (إلا إذا قرر أحد ما الاستقرار في السفر أو المدرسة!). أما الزواج فهو مرحلة أبدية... رجل وامرأة من يحملان أفكار وعادات وثقافات مختلفة قررا (أو قُرِّر لهما) أن يقضيا العمر كله وجها لوجه! إن هذا يبدو صعبا... وأكاد أسمع صوت اصطكاك أسنان بعض الفتيات المقبلات على الزواج من تلك المؤسسة الجديدة أو الحياة الجديدة التي يسكنها كائن حي اسمه الرجل!
كيف سيبدو الرجل؟ هل هي حياة جيدة؟ هل هو إنسان جيد... أم إنسان سيء؟ هل هو عصبي أم هادئ؟ هل هو سخي أم بخيل؟ هل يتجشأ كالثيران عقب وجبة غداء دسمة؟ هل يحب الشوكولاتة أم يكرهها! يا للكارثة لو كان يكرهها! هذه الأسئلة هي غيض من أطنان من الأسئلة التي يطرحها عقل الفتاة. وكذلك يفعل الرجل أيضا، فلديه تساؤلات مثل هل هي إنسانة طيبة أم شريرة؟ هل تحب الملوخية؟ هل تحب قراءة الكتب؟ هل ستتخلى عن لباقة أيام الخطوبة وتنسف الأكل نسفا على مائدة الطعام في المنزل؟ إلخ ...وقائمة الأسئلة تطول...
لماذا؟ مسلسل الإكتشافات...
السؤال المشترك بين الجميع هو لماذا يحدث كل هذا؟ الجواب له شقان:
الأول هو أن مرحلة الخطوبة تكون في العادة مليئة بالأحلام والرسميات والرومانسيات. فهو لن يفرك ما بين أصابع قدميه في أيام الخطوبة أمامها، ولو فعلها فهو شجاع إلى حد الرعب. وهي لن تولج إصبعها داخل أنفها أمامه في مرحلة الخطوبة، ولو فعلتها فهي في الغالب كانت تعمل مربية فِيَلة (أيام زماااان) !
الشق الثاني وهو الأهم هو أن الرجل والمرأة حين يتزوجا ينتقلان من العزوبية إلى الزواج وما يصاحب ذلك من تغير في ترتيب الأولويات والثقافات والمتطلبات وكل شيء. فالمرء حين يتزوج يغادر بيته إلى بيت الزوجية حاملا معه حقيبتين. حقيبة ملابس وحقيبة ذكريات!. أي أن كل من الرجل والمرأة يحملان حقائب الملابس وأدوات الزينة ويتم الاحتفال بإحضار حقائب ملابس العروسة والعريس إلى منزل الزوجية قبل حفل الزفاف بعدة أيام كما يحدث في مجتمعنا. وبعد حفل الزفاف يغادر العروسان القاعة إلى عش الزوجية حاملَيْن حقائب الذكريات التي في الغالب لا يعبأ بها أحد!
قرصنة حقائبية
ولو قمنا بعملية قرصنة على حقائب الذكريات وفتشنا داخلها سنجد أن كل حقيبة تحتوي على ذكريات وعادات وتقاليد وثقافات متوارثة يختلف بعضها عن بعض. وهذا أمر طبيعي. ولا يهم أن يكون الزوجين من نفس المنطقة أو نفس العائلة أو نفس البلد أو نفس اللغة. فثمة فروقات فردية بين كل بيت وبيت تجعل من المستحيل تطابق كل عادات الفريقين. فربما تجد على سبيل المثال بيتا ينام أهله مبكرا ويسيقظون مبكرا، بينما البيت المجاور الذي لا يبعد إلا مترا واحدا ينام أهله متأخرين ويستقظون متأخرين. وبين هذا وذاك تجد فروقا في العادات وفقا لنظام النوم، مثل تأخير أو تبكير الإفطار، وتناول العشاء مبكرا أو متأخرا وما يصاحب ذلك من سلوكيات صحية إلخ.
كما قلت هذا أمر طبيعي ولا يشكّل مشكلة جسيمة. لكن تحدث المشاكل بين الأزواج فقط وحين فقط (كما نقول في الرياضيات) لا يتفهم أحد الزوجين أو كلاهما أن كِلا الحقيبتين تختلفان! وتزداد المشاكل حدة حين يعتقد أحد الأطراف أن الطرف الآخر يجب أن يتنازل عن حقيبته وإلقائها في النهر وإلا سيتم سحقه. وتزداد الأمور تعقيدا إذا تدخل طرف ثالث محاولا تأكيد شرعية إحدى الحقيبتين على الأخرى. بعد ذلك تبدأ المشاكل في التوسع أفقيا (في العدد) وعموديا (في الحجم) حتى تصبح حياة الكثير لا تطاق. وفي كثير من الأحيان تصبح الحياة تطاق لكنها باردة إلى حد الإرتجاف!
الإنسان وعملية التأقلم
وسبحان الله يختلف الناس في تعاطيهم مع متغيرات الحياة كل حسب طاقته وقدراته. فثمة أناس يفشلون في مواجهة المتغيرات، ويصرون على التقوقع في مكان واحد أو داخل حقيبة واحدة! فلا الزمن يغيره ولا المكان يبدله. وعلى النقيض من ذلك، كثير من الأزواج يتفهمون عملية التأقلم وأن الوقت والفهم الكافيان كفيليْن بإنجاز عملية الانسجام والتأقلم.
وثمة من يفشل في التأقلم مع المكان الجديد. خاصة لمن يجتاز حاجز اللغة والثقافة والجغرافيا. فيصاب بصدمة من هذا التحول الهائل في الحياة. يحتاج إلى تعلم اللغة والتكيف معها والتعامل بها والتعرف على ثقافة الآخرين وتقبلها وتطبيقها ما إمكن واحترام بعضها والتعايش مع ما تبقى. فالتأقلم يبدأ من الذات ابتداءا. والناس على درجات من التأقلم. فمنهم من يتأقلم بسهولة وبعد وقت قصير ومنهم من يحتاج إلى وقت طويل وصراع أطول، وآخرون قد لا يستطيعون فيرفضون الواقع الجديد ثم يعودون إلى حيث جاؤوا (إن أمكن ذلك).
لماذا لا يتأقلم الأزواج؟
ربما كان من الأفضل السؤال لماذا يتأقلم الأزواج ومن خلال جواب السؤال نعرف نقيضه. أي نعرف لماذا لا يتأقلمون. يتأقلم الناس بشكل عام لأنهم:
يريدون أن يتأقلموا
لديهم القدرة على التأقلم
الظروف تدفعهم للتأقلم
التأقلم يساعدهم في الحياة بشكل أفضل
كل واحدة لها معطيات لن أخوض فيها، لكني أعتقد أن النقطتين الأوليين هما الأكثر أهمية. فمعظم من يفشل في التأقلم على الحياة الزوجية الجديدة يكون الدافع إلى ذلك الشعور بعدم الرغبة في التأقلم. وهو شعور يوجد في العقل الباطن (منطقة اللاوعي) بسبب موروثات ثقافية ومعتقدات قوية تجعل الطرف الرافض للتأقلم يعتقد أن عاداته وموروثاته الثقافية هي الأفضل أو الأرقى أو الأجدر بالاتباع. وعليه، تفشل كل محاولات الطرف الآخر لمساعدته على التأقلم والانسجام. إذن ما الحل؟
الحل في الحقيبة!
حقيبة يد نسائية راقية هي الحل! لو استمرينا في تخيل أن موروثات كل زوج هي عبارة عن حقيبة كبير، فسنجد أن حل حقيبة اليد يمثل حلا وسطا بين الحقيبتين. أي أنه يجب على كل طرف التنازل والقيام بإحضار قطعة ملابس (موروث ثقافي متفق عليه بين الجانبين) من حقيبته ووضعها في حقيبة اليد. وهكذا كلما اتفق الزوجان على ثقافة مشتركة أو عادة متفق عليها قاما بوضعها في حقيبة اليد الراقية تلك. وبهذا تكون حقيبة اليد حقيبة لكل الموروثات التي نتفق عليها، وتبقى الحقائب الكبيرة لكل ما لا نتفق عليه. بعبارة أخرى، يجب أن نتعامل مع العادات التي نتفق فيها على أنها عادات مشتركة توحدنا، والعادات التي تفرقنا نحاول تجنبها والتعامل معها تدريجيا حسب الاستراتيجية المتسلسلة التالية:
الفهم: أهم عنصر في إنجاح أي علاقة زوجية هو الفهم. أن يتفهم الزوجان في بداية الحياة الزوجية أن أصابع اليد ليست بذات الشكل ولا الوظيفة. فيجب أن يتفهم كل طرف أن شريكه قد يختلف معه في العادات مهما كانت درجة الحب بينهما.
التقبل: وهي مرحلة تلي الفهم، وفيها يبدأ الشريك في تقبل بعض العادات الجديدة عليه والقادمة في حقيبة القادم الجديد! فيتقبل ما يصدر عنه من عادات وسلوكيات جديدة (مثل النوم تحت السرير على سبيل المثال!).
التعاطي: ويلي مرحلة التقبل التعاطي، أي يبدأ الشريك في مراعاة عادات شريكه إذا لم تتفق معه، أو يتناغم معها إذا أعجبته كمقدمة لتبنيها. ويحدث ذلك عفويا أو إراديا.
التبني: وهي آخر مرحلة بعد التعاطي، حيث يتبنى أحد الشريكين عادة جديدة من عادات الآخر. ويصبح من الصعب تمييز الاختلاف في إحدى العادات بين الشريكين بعد مرور الوقت.
وبالطبع، فإن الاستراتيجية المتسلسلة السابقة لا تعني أن كل العادات يمكن تبنيها حتى يحصل التأقلم التام. بالتأكيد ثمة عادات إيجابية لا يمكن تبنيها لدى أحد الاطراف كون أنها لا تناسبه أو قد تكون عادات سلبية ينبغي التخلص منها. وفي ذلك يمكن استخدام الاستراتيجيات التالية:
التعايش: قد لا يعجبك أحد العادات والتصرفات في الشريك الآخر. لكن يمكنك التعايش معها لأنها قد تكون أشياء ثانوية لا يلتفت إليها الإنسان العاقل. نحن بشر، لا يمكن أن نصل إلى حد الكمال، فيمكن التعايش مع تلك العادات بدون أن تنغص حياتنا.
التنازل: إذا اتفق الطرفان على أن ثمة عادة سيئة موجودة، يمكن الاتفاق على التخلص منها. يتنازل صاحبها عنها، ويساعده الشريك في ذلك بدلا من التوبيخ والتعنيف أو السخرية.
الاحترام: ثمة عادات ومورثات ثقافية قد تعجب الشريك لكنه لا يمكنه تنبيها أو ممارستها. في هذه الحالة يقدم الاحترام لتلك العادة التي يمتلكها شريكه. أي يحترم وجودها. على سبيل المثال إذا كان الزوج لا يحب الجبنة، لا يعني ذلك أن لا يشتري الجبنة لزوجته التي تحبها. هنا يكون الزوج لا يمكنه (حب) الجبنة لكنه يحترم حب زوجته للجنبة ويشتريها لها احتراما لها (الهاء في "لها" تعود على الزوجة وليس الجبنة:) ).
ثلاث نصائح ختامية
نصيحة قبل الأخيرة: لا تستقيم الحياة بلون واحد فقط. بل يجب أن تكون متعددة الألوان لكي نرى الأشياء فيها جميلة. لو كانت الحياة أبيضا وأسودا لاكتفينا بشاشات المرئي (التلفاز) القديمة. ولم يكن من داع لكل الثورة التكنولوجية الآن.
النصيحة الأخيرة: التأقلم يتطلب وقتا، الأهم أن لا يكون ذلك سببا في الشجار. لا يجب أن تكون الحياة الزوجية مفعمة بالندية. بل حياة تكاملية تقوم على المودة والرحمة كما أمرنا ربنا عز وجل.
نصيحة بعد الاخيرة (مكتوبة بالحبر السري لن يفهمها إلا الأزواج الأذكياء): كتجوز مرتحا، كجوز يمرتحا...
ملاحظة: النصيحة بعد الأخيرة من النوع الذي يطلبه قلب الإنسان :)
هل أعجبك هذا الموضوع؟
0 التعليقات:
إرسال تعليق