منذ خلق الإنسان و هو يبحث دائماً عن طريقة تعلمه بالمستقبل و رغم الكلمة الشهيرة في الأثر بأن لو علمتم الغيب لأخترتم الواقع إلا أن الإنسان و حب الفضول و القلق الأعظم من المستقبل دائماً ما يؤدي إلى تلك الطريق , هناك من يتخذ الأمر بأبسط الأمور مثل باب حظك اليوم في الجرائد , و هناك من يحاول أن يطلع على الغيب بالفراسة , و هناك من يدخل في طريق تفسير الأحلام بما تطلبه من علم شامل للعديد من الأشياء , و هناك من يدخل رغم كل ما قيل إلى عالم الساحرات و المشعوذين و البلورات السحرية و قراءة الكف و أوراق اللعب.
فقراءة المستقبل عن طريق مجموعة من الأوراق و هو ما يطلق عليه الغربيون إسم Cartomancy , و هي طريقة قديمة لممارسة مثل هذه الأشياء , و في الحقيقة هي الطريقة المفضلة للكثير من المحترفين , و ربما الهواة أيضاً و الوسطاء الروحيين , و العرافين.
لم يتم أبداً تحديد متى تم إختراع اللعب بالأوراق . لكن على أي حال من المعروف أن الأوراق أخترعت في المقام الأول كوسيلة خارقة لمعرفة المستقبل و ليس للعب إطلاقاً و لم يتخيل أحد أن يتم اللعب بها.
هناك مصادر مسئولة تقول أن الأوراق أستخدمت للتنبؤ أولاً عن طريق الغجر , لكن مثل هذا التأكيد لا يمكن الوثوق فيه لأنه نابع في الغالب من السرية و الغموض الذي يحيط بمثل هؤلاء البدو الرحل .
سواء إستطعنا أو لم نستطع تأكيد موضوع الغجر هذا فإن هناك إجماع عام على أن هناك قبيلة رحالة تجوب العالم من الغجر هم من جاءوا بالشكل الأولي لأوراق اللعب إلى أوروبا في وقت ما من القرن الرابع عشر . و رغم هذا فإن هناك إعتقاد أن الغجر هؤلاء قد جاءوا من الشرق من الهند عن طريق فارس , و قال غالبية الناس أنهم جاءوا من مصر, و إن كان مثل هذا الإعتقاد به بعض الخطأ لطبيعة المصري البعيدة عن ثقافة الترحال.لكن الناس تحب ربط الغموض بمصر و جو النيل و التماثيل الغامضة و الجو المحيط بالمصريين القدماء الذي يحبها الأوربيون دائماً.
على أي حال فإن الغجر بدأوا في قراءة الطالع بالصور على أوراق تدعى “أتوتس Atouts” و هي أوراق كانت مشهورة في فارس القديمة. و عندما وصلت الأوراق إلى أوروبا حدث لها عملية تحوير قوية مهمة في تاريخها و تم تسميتها إسم سيظل عليها للأبد ..أوراق التاروت.
كانت علبة الأوراق تشبه أوراق لعبنا الحالي لكنها لم تكن 52 ورقة , بل كانت 78 و الفئات عليها لم تكن (قلوب , ماسات , البستوني , و الهراوة ) كما هو الوضع حالياً بل كانت (سيوف , أكواب, عملات , صولجانات) . و بدلاً من الملك و الملكة , و الولد , فإن أوراق التاروت كانت بها 22 ورقة بصور , منهم الملك و الملكة , و النذل و الفارس .
أقرب النظريات حول ظهور التاروت و إختراعه كما يظهر على صورته اليوم كانت أنه أخترع في عصر النهضة في أوروبا (بين القرنين 14-17 ميلادياً) في وقت لاحق من هذا يعتقد أن طائفة الأدريين هم من عرف جنوب أوروبا بالتاروت , فقد كانوا يضطرون إلى التخلي عن معتقداتهم لكي يبتعدوا عن مضايقات الكنيسة و و للحفاظ على تعاليمهم لما بعد فقد قاموا بتسجيلها على 22 لوحة التي تعبر عن النمو الروحي لبني البشر . كل لوحة من اللوحات كانت تحكي قصة لمظهر واحد من بداية التطور الروحي في طريقه إلى الكمال .
التاروت , و الذي وصفه بعض المتخصصين بأنه واحد من أقدم الكتب المتنكرة في هيئة كومة من أوراق اللعب, أصبح للأبد طريقة لمعرفة المستقبل . و بإضافة الكثير من الحكم الغامضة بنظام الأرقام العبرانية , بل إن بعض الأشخاص , قالوا بمنتهى الثقة أن فلسفة الـكابالا اليهودية القديمة كانت هي المحرك الروحي لفلسفة التاروت نفسها.
بعض المتحمسين للعصر الجديد و حركاته قاموا بإعادة استكشاف و دراسة عاليم الكابالا و الحكم المصرية القديمة و التي يؤمنون أنها كانت المحرك الأول للبطاقات.
و على الرغم من أن هناك الكثير من النظريات تقوم حول أن أوراق التاروت مقتبسة من صفحات كتاب السحر المصري الأسطوري , “كتاب ثوث Book Of Thoth ” و هناك بعض الصور على البطاقات تؤيد مثل هذه الفكرة , إلا أن هذا لم يتم إثباته أبداً
الشيء الوحيد المثبت هو موضوع الطائفة الأدرية في الموضوع, فخلال فترة محاكم التفتيش في عصر النهضة , تم تسجيل جميع معتقداتهم على ألواح تشبه بطاقات التاروت التي تدعى الرواق الكبير. و الدارسين لسحر الكابالا يقولون أن الـ22 رسم يعتبرون مجاز كامل متوافق مع الحروف الإثني و العشرين في الأبجدية العبرية. قائلين أن كل حرف له قدرات خارقة بحد ذاته .. و هي إحدى الدعايات اليهودية التي يظن بعض الباحثين أنها ملفقة مثل قولهم أن اللغة العبرية هي أثرى اللغات , و هو ما نفاه الباحثون بالدليل ان اللغة العبرية بها خمسة ألاف كلمة لا أكثر و هو رقم بسيط بالنسبة للغات الأخرى.
من مميزات الرسوم في التاروت أنها تعبر عن أشياء دنيوية عامة يفهما الجميع , تقف في العالم بين كل اللغات و الثقافات , و هي رسوم معبرة فعلاً. فالبطاقات الـ22 المؤلفين لمجموعة الرواق الكبير Major Arcana متعلقين كلهم بالأفراد.
فبطاقات فئة البوق تعبر مجازاً عن السمات و المميزات التي تجمع الشخصيات , لتصنع علاقات بين الخير و الشر و التي تنصب في النهاية في مفهوم العرف السائد للفضائل, و يتضح منها أن القدماء عبروا عن جوهر الإنسان عن طريق عناصر المنظومة الإنسانية الأربعة القديمة (التراب , الماء , النار , الماء). و هو ما يعني أن التاروت قام على فرضية أن لكل إنسان كونه الخاص.
في العالم الحقيقي , الإنسان لا يمكنه العيش وحيداً, يجب أن يكون له علاقات عامة , بقوانين معينة لكي يجد من يحقق له الأشياء التي لا يمكنه فعلها وحده.. في الحقيقة التاروت به نفس الفكرة في موضع أخر.
البحث عن المستقبل و الطالع عن طريق التاروت و أوراقه , هو كما قلنا من أقدم ما تم إستخدام التاروت فيه عن طريق العرافين و العرافات. فكل بطاقة في المجموعة لها تفسير معروف على مر العصور, و القاريء – أو العراف- يجب ان يتآلف أولاً مع معانيهم في سبيل الحصول على قراءة دقيقة لطالب القراءة الذي ينتظر معرفة ما سيحدث في المستقبل بشغف . و هناك العديد من الطرق لوضع و ترصيص البطاقات لقراءتها. فهناك طريقة معروفة بأن يطلب القاريء من الطالب أن يختار بطاقة عشوائية لتعرفه بشخصيته و تسهل القراءة و النتيجة تكون هي ما سيتركز حولها الحديث بعدها . فواضح أن القاريء يكتشف شيء معين أو نموذج عام للبطاقة المختارة و التي تقوم بتحفيز قدراته أو قدراتها النفسية و تقوم برفع مستوى القدرة على الإتصال الروحي مع الطالب.
هناك طريقة مفضلة لدى قراء أخرون و هي أن يقوموا بترصيص البطاقات على أشكال معينة , مثل دائرة أو صليب , أو عدة صفوف من البطاقات المرصوصة في أشكال متعددة لتمنح للقاريء الإداراك الأفضل الواجب لمعرفة مستقبل الطالب.
بالطبع الكلام السابق كلام نظري ممل , و هو ككل شيء أكاديمي يحتاج إلى أمثلة جيدة لتوضحيها و مثال على البطاقات الشخصية في الرواق الكبير و عددها إثنى و عشرين بطاقة :
الساحر Juggler هي عبارة عن صورة شخص يقف مشيراً بإحدى يديه إلى السماء و الأخرى إلى الأرض , و هو ما يماثل تعاليم الديانة الهرمتية التي نشأت في أوروبا في عصر النهضة أيضاً, و التي فيها أن ما في السماء يماثل ما تحت الأرض ,و هو ما يحتويه عالم الإنسان في الكون المحيط ,سماء , أرض..و هو ما يمكن أن نقول عنه بشكل بلاغي أن دراسة الجنس البشري فقط تجعلنا نفهم طبيعة المخلوقات جميعاً.
رقم هذه البطاقة هو واحد , و الرقم واحد هو رقم مهم في كل شيء , فهو دليل على الوحدة في كل الديانات , فهو رقم الذات الإلهية نفسها. و رقم واحد هو روح الطبيعة و روح المواد , و هو المعلوم , و المسبب , و القوة المُخلقة للكون الغير مرئي.
بطاقة الكاهنة العليا The High Priestess هي رقم إثنين في البطاقات و هو من أكثر الأوراق قدسية في التاروت كله. فهي تعبر عن القدرة البشرية على ترجمة كلمة , “الإله”, و هو بالطبع أعلى علم يدركه الإنسان.
الكاهنة العليا تعبر عن المعرفة المخبئة في ما دون الوعي لكل إنسان , و هو أمر عرفه فلاسفة العرب القدماء أن الله علم الإنسان كل شيء مع خلق أدم , و لهذا تكثر كلمة “تذكرة, و تذكير” في .
صورة الكاهنة و صورتها تمنح الحكمة التي تؤهل للوصول إلى ينبوع المعرفة الغامض. رقم إثنين يرمز إلى أم المباديء و تعبر عن التعبير القائل أن الوَحدة تأتي من خلال المرأة (واحد و واحد).
الإمبراطورة هو إسم البطاقة رقم ثلاثة و هو تعبير عن الغريزة الأنثوية , حيث من المعروف أن المرأة تقوم بحل المشكلات من خلال منطقة اللاوعي , حيث تستخدم المرأة مشاعرها أكثر من عقلها في المشاكل الكبرى. رقم ثلاثة هو المفتاح الذي يفتح الباب إلى الحدس و البديهة , و هو الطاقة التي توحد بين الموجب و السالب , بين الذكر و الأنثى .
على المستوى المادي البحث فإن بطاقة الإمبراطورة تعبر عن منظور الإنسان للحب و يعبر عن التوحد الجنسي بين الذكر و الأنثى.
طالما هناك بطاقة إمبراطورة فلا بد من إمبراطور و رقمه هو أربعة و هي بطاقة تحذر القاريء أن الطالب ليس من السهل الوصول إلى منطقة وسط مع ضميره . إمبراطور الحكمة يظهر مع نار الحياة ,في رمز إلى فكرة أن جميع مخلوقات الطبيعة ستعود للحياة من خلال النار. رقم أربعة يظهر المادة البدائية للكون و هو المقوم الأساسي لكل التجليات في البعد الثالث.
هل أعجبك هذا الموضوع؟
0 التعليقات:
إرسال تعليق